اذا أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع.
هذا أبسط تعليق علي مشروع قانون المرور الجديد الذي يناقشه مجلس الشعب والذي يحتوي علي تعديلات رائعة ومحترمة لكنها تحتاج الي نقاش واسع للوصول الي تطبيق عادل وسليم له، بدلا أن يلحق بالقانون الاصلي رقم 66 لسنة 73 أو تعديله الذي تم في عام 99.
مشروع القانون يحسب له الكثير من الايجابيات مثل التيسير علي اصحاب المركبات الثقيلة بمساواتها بالسيارات الصغيرة ومنحهم ترخيصا لمدة ثلاث سنوات، تقنين أوضاع التوك توك،اعادة النظر في تعريفة التاكسي بما يتلاءم مع ارتفاع الاسعار بما يقلل من حدة المشاحنات اليومية التي تجري بين السائقين وزبائنهم، ادخال امكانية التصالح في غالبية الجرائم، تجريم اللصقات الطائفية والدينية والعنصرية، استحداث نظام التثقيب علي الرخصة المضبوطة وتجريم محاولة استخراج اخري بطريقة غير شرعية ومجازاة من يساعد علي ذلك، وضع ضوابط لفرض الرسوم المرورية، وقف ترخيص المقطورات، منح السائقين المهنيين من شرط المدة في حالة استبدال الرخصة بأخري أعلي درجة.
لكن رغم كثرة ايجابيات المشروع الذي تبناه حبيب العادلي وزير الداخلية واشرف علي اعداده، فإن عليه بعض الملاحظات المهمة والضرورية خاصة أن مشروع القانون يهدد 5 ملايين مصري علي الأقل بالحبس.
أولا يبدو علي واضع القانون أن الخلفية التشريعية كانت مساحتها أقل عند وضع بنود المشروع بالمقارنة بالخلفية الامنية الشرطية، وهذا كان ظاهرا في المذكرة الايضاحية الملحقة بالمشروع التي اتهمت المصريين بميل طبيعي وفطري يتحلل من القواعد المقيدة لأنشطته والملزمة لحركته، وأنه يسعي جاهدا للخروج عليها ومخالفة مطلوباتها، وبناء علي هذه النظرة المتدنية للإنسان بصفة عامة قرر واضع المشروع أن يعتبر الكل مجرما مدانا والكل مستعد للمخالفة والكل يستحق العقاب الرادع.
هذا الامر ووفقا لما هو موجود بالمذكرة الايضاحية يعني أن هناك تربصا غير مبرر بقائدي السيارات، صحيح أن هناك تجاوزا من البعض وهناك استهتار من البعض وهناك تسيب من البعض، لكن ذلك لا يعني أن الجميع لديه استعداد فطري لارتكاب المخالفة كما تزعم المذكرة الإيضاحية.
ثانيا بناء علي ما جاء في أولا قرر المشرع أن يعتبر الشخص المريض الذي يستخدم جهاز التنبيه (الكلاكس) مجرما يستحق العقاب بحبسه لمدة لا تزيد علي سنة وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة جنيه ولا تزيد علي ألفي جنيه.
هذه العقوبة مبدئيا لا يمكن اثباتها عمليا سوي كلمة رجل المرور ضد كلمة قائد المركبة وفي هذه الحالة سيجد القاضي نفسه في حرج وضميره غير مستريح خاصة كيف يمكن أن يقتنع ان الرجل لم يستخدم الكلاكس في غير الغرض المباح فيه قانونا وهو تنبيه مركبة اخري أو شخص أو حيوان أو لمنع ضرر جسيم محدق قد يلحق الأذي بأي منها، وبالتالي في أغلب القضايا ان لم تكن كلها سيحكم القاضي ببراءة قائد المركبة خاصة أن العقوبة من وجهة النظر القانونية والواقعية أكبر بكثير من حجم الجرم الواقع علي المجتمع أو الفرد، هذا من جهة، من جهة أخري ستتحول مخالفة الكلاكس الي سيف في يد رجل المرور الذي لا نرفعه إلي مصاف الآلهة بل هو بشر قد يخطئ وقد يطنش علي البعض «ويتلكك» للبعض الآخر.
نحن نستطيع أن نفهم ضرورة هذه المادة في اخضاع السائق المستهتر الذي يقود وباب سيارته مفتوح أو ذلك الذي يتعمد الوقوف فوق الكباري لتحميل راكب أو اثنين أو من يمشي ببطء عند تقاطع أو عند مطلع كوبري أو نفق ليلحق به زبون أو (نص جنيه ع الارض) لكن لا نستطيع أن نستوعب حجم العقوبة علي كلاكس.
ثالثا في القانون الإلهي والعرف البشري السوي أن النسيان قد يكون فضيلة، فإن لم يكن فضيلة فهو علي الاقل ليس عارا ولا جريمة، ومن يقع في النسيان ليس عليه ذنب وبالتالي ليس ملزما بتدابير ولا مجبرا علي الخضوع لغرامة وبالتالي فمن باب أولي ألا يجبر علي الخضوع لعقاب يسلب حريته لمجرد انه نسي رخصة القيادة في بيته.
هناك اجراء محترم معمول به في الدول المحترمة بأن يقوم قائد السيارة بالسماح له بالاتصال هاتفيا بأحد أقربائه لإحضار الرخصة التي نسيها، علي ان يوضع في استراحة وليس حجزا، فالناس محترمة وبريئة قبل أن يثبت العكس، لكن مشروع القانون في مادته 74 مكرر 2 نص علي معاقبة بالحبس لمدة لا تزيد علي ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد علي خمسمائة جنيه كل من قاد مركبة دون رخصة تسيير أو برخصة منتهية أو ملغاة أو دون حصوله علي رخصة قيادة أو سحبت رخصته أو انتهت أو ألغيت أو برخصة قيادة لا تجيز قيادتها.
رابعا والأهم ما نصت عليه المادة رقم 81 مكرر1 بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي ألفي جنيه.لمن يقف أمام محل عام أو تجاري ويتسبب في تعطيل المرور.
القانون كان حاسما في العقوبة انطلاقا من المفهوم الأمني المسيطر علي واضعه لكنه لم ينظر للمشكلة من منظور اقتصادي واجتماعي وعمراني.
المشرع لم يسأل نفسه لماذا يضطر قائدو السيارات لإيقافها صف ثاني وثالث - أنا هنا لا أعطيهم هذا الحق- لكن لأن هناك أزمة حقيقية في الجراجات خاصة في وسط البلد وشوارع القاهرة والجيزة والاسكندرية، وطالما لن تحل المشكلة من أساسها وتخلق الحكومة اماكن انتظار للسيارات، وتفرض علي المباني الجديدة جراجات بسعة استيعابية مضاعفة وإلا لن تجدي العقوبات التي تفنن واضع مشروع القانون الجديد في تشديدها وتغليظها ظنا منه -وهنا الظن كله إثم- أن التغليظ سوف يردع المخالفين، في حين ان التغليظ لن يفعل شيئاً سوي رفع "فيزيتا" الركن في الممنوع.. مع كامل احترامنا لرجال المرور الشرفاء.