رغم أنهم وزراء ومسئولون بيدهم اتخاذ القرار إلا أنهم يظهرون فى كثير من الأوقات وكأنهم مثل أى مواطن عادى بسيط الذى يتحدث عن المشكلة دون أن يكون فى مقدور أن يتخذ أى خطوات عملية لحلها، وهو ما جعل لدينا نوعاً جديداً من الوزراء والمسئولين الذين لا ينفون سوء الأوضاع ووجود المشكلات على أرض الواقع لكن فى نفس الوقت لا يقدمون أى خطة أو برنامج مدروس لحلها، مما يعمق إحساس الناس بقلة الحيلة والعجز، بل والاكتئاب فى بعض الأحيان فإذا كان الوزير المسئول لا يستطيع أن يفعل شيئا ويكتفى بالشكوى مثلهم فما تراهم يستطيعون أن يفعلوا؟
وهو ما رأيناه بصورة واضحة فى كثير من القضايا فى الفترة الأخيرة فمثلا تجد أن السيد أمين أباظة وزير الزراعة لم يجد ما يفعله لمواجهة التدهور الحادث لمحصول القطن الذى اشتهرت به مصر لأكثر من قرنين من الزمان حتى أصبح قطن النيل المصرى علامة مميزة عالميا، سوى أن يقول أن زمن الذهب الأبيض انتهى وهو التصريح الذى نشرته له صحيفة الجمهورية فى صدر صفحتها الأولى يوم السبت 29 مارس الماضى، فالوزير الذى له خبرة طويلة فى تجارة القطن ويملك ويدير شركة من أكبر شركات تجارة وحليج الأقطان بل إن الأسرة الأباظية العريقة التى ينتمى إليها الوزير بنت مجدها وتاريخها على زراعة القطن وتجارته.. الوزير الخبير أصبح يتحدث مثل أى فلاح أو مواطن عادى فيقول إن المساحة المزروعة بالقطن فى تراجع وأن الفلاح أصبح لا يزرع القطن كما يتأخر فى زراعته وهو الذى يختار التوقيت فى ظل الاقتصاد الحر والتوريد الاختيارى أما فى جلسة مجلس الشعب الأسبوع الماضى وعند إثارة موضوع زيادة أسعار الأسمدة واشتعال أسعارها للدرجة التى باتت تهدد مستقبل الزراعة المصرية فإن وزير الزراعة المختص والمسئول الأول عن زراعة أول بلد فى العالم عرف الزراعة لم يقل شيئا سوى انتقاد السياسة الزراعية للفلاح المصرى التى تعتمد على السلبية والاستخدام المتزايد من الأسمدة وقال إنه فى عام 1995 استخدمنا 4,5 مليون طن أسمدة لزراعة 7 ملايين فدان ولم تنقص الإنتاجية فى حين أننا استخدمنا فى 2007 8,9 مليون طن أسمدة لزراعة 8 ملايين فدان وهذا يعنى أن الثقافة الزراعية للفلاح المصرى تتجه للاستخدام الزائد للسماد دون أن يؤدى ذلك إلى زيادة الإنتاجية كما يؤدى إلى تلوث البيئة وبرر الزيادة المفاجئة والمبالغ فيها فى أسعار الأسمدة إلى سوء استخدام المزارعين والفلاحين المصريين وإقبالهم بصورة مبالغ فيها على الأسمدة. ولم يقل لنا الوزير ماذا تفعل الدول الرأسمالية الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وكندا وغيرها من البلدان المتقدمة زراعيا حيث إنها الدول التى ابتدعت نظام السوق الحرة والاقتصاد المفتوح ومع ذلك نجحت فى أن تغرى المزارعين والفلاحين لديها بزراعة المحاصيل الاستراتيجية التى تحتاجها الدولة، ولماذا لا تفعل وزارة الزراعة عندنا مثل هذه الدول فى تشجيع المزارعين وتبنى قضاياهم فتصبح سياستهم الزراعية إيجابية، كما أن الفترة التى استشهد فيها وزير الزراعة بقلة استخدام الفلاح المصرى للأسمدة وهى عام 1995 كانت تتميز بوجود دور فعلى وملموس لوزارة الزراعة فى الحياة الزراعية المصرية لأنه ببساطة كان يوجد فى مصر وقتها وزير الزراعة وهو د. يوسف والى الذى تستطيع أن تختلف على كثير من سياساته الزراعية لكن فى النهاية كان يوجد فى مصر وزير للزراعة! وقد لفت انتباهى أن الوزير يتحدث كثيرا عن مشكلات الزراعة فى مصر دون أن يشرح خطة واحدة أو برنامجاً واحداً لحد أى من هذه المشكلات، وبعد نهاية اللقاء تفرغ لتوقيع طلبات بعض الحاضرين على أوامر نشر إعلانات فى صحفهم عن إنجازات وأعمال وزارة الزراعة العظيمة فى خدمة الزراعة المصرية والفلاح المصرى، الغريب أن الوزير لم يرفض طلبا واحدا من هذه الإعلانات رغم أن بعضها كان خاصا بصحف لا تفعل شيئا سوى الانتقاد الدائم للنظام والحكومة التى ينتمى إليها وزير الزراعة وتوجيه أبشع الاتهامات لهما، وكأن وزير الزراعة يساعدها على مهاجمة الحكومة. أما تصريح وزير الزراعة الأخير عندما سئل عن رأيه وموقفه من قيام بعض الفلاحين بـ «حش» سنابل القمح وهى جنين أخضر لبيعها بأسعار مضاعفة لإنتاج الطاقة أو أدوات التجميل وقوله إيه يعنى دى حرية سوق ولا نقدر نعمل حاجة فقد علق عليه د. عبد الرحمن شلبى وزير التموين الأسبق عندما عبر عن اندهاشه فى إحدى الندوات التى ناقشت موضوع الغلاء، من تصريح وزير الزراعة مشيرا إلى أن الوزير يستطيع اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه ما يحدث! ؟ الوزير والدقيق ومن أمين أباظة وزير الزراعة إلى على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى «التموين سابقا» فالرجل عندما اشتدت أزمة الخبز وبدأ تساقط الشهداء من أجل رغيف العيش لم يجد ما يفعله سوى الإدلاء بالتصريحات التى أكد فيها أن أسباب أزمة العيش والطوابير يرجع إلى أصحاب المخابز الذين يقومون ببيع 30% على الأقل من حصة الدقيق المدعم التى تعطيها لهم وزارته فى السوق السوداء من أجل الربح السريع وطبعا هذا التصريح لم يحل الأزمة بل أن الوزير تكلم مثل المواطن المغلوب على أمره الذى يقف بالساعات فى طوابير العيش وهو يرى أجولة الدقيق تخرج أمامه من المخبز لتباع إلى مخابز العيش السياحى ومصانع الحلويات والكنافة وإذا كان هذا المواطن لا يستطيع أن يفعل شيئا فلماذا لم يعمل الوزير المختص على منع أصحاب المخابز الذين تراقبهم وزارته من بيع الدقيق المدعم المخصص لإنتاج خبز الفقراء فى السوق السوداء وبسبب هذه التصريحات وغيرها لوزير التضامن الاجتماعى كان مقدرا لأزمة الخبز أن تستمر إلى أجل غير مسمى بكل تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لولا تدخل الرئيس مبارك فى الوقت المناسب وإصداره توجيهات حازمة للحكومة بضرورة حل الأزمة فى أسرع وقت مع طلبه من جهاز الخدمة العامة للقوات المسلحة وأجهزة الشرطة المساهمة فى حل الأزمة وهو ما بدأت نتائجه على الفور حيث بدأت تخف حدة الأزمة تدريجيا وتحرك وزير التضامن بإيجابية أكثر بعد أن شعر بعد تدخل الرئيس أن أزمة خبز الفقراء قد تكلفه منصبه لذلك بدأ فى استخدام صلاحيات هذا المنصب لحل الأزمة. من التضامن إلى التعليم فالدكتور يسرى الجمل وزير التعليم منذ أن تقلد منصبه فى أواخر ديسمبر 2005 أخذ ينتقد أوضاع التعليم فى البلد وكأنها تخص دولة مدغشقر فسياسة التعليم فاشلة والمدارس مثل علب السردين، ومستوى المدرس لا يليق ولا يساعد على تطوير التعليم، وهناك فشل فى التقويم ونظام الامتحانات فالرجل كما يقولون معترف بجميع الهزائم التعليمية.. ما يجعلنا نتساءل طب وبعدين ماذا فعل الوزير لتحويل هذه الهزائم إلى انتصارات أو حتى تعاملات، فالحديث عن فشل سياسة التعليم لا يناسب وزيرا فى حكومة حزب الأغلبية وهو يناسب أكثر سياسيا معارضا فى حزب آخر منافس يسعى إلى سحب البساط من تحت حزب الأغلبية ليأخذ مكانه كما أنه حديث أصاب الناس بالاكتئاب وجعلهم يعتمدون أكثر على الدروس الخصوصية بسببب فشل التعليم فى المدارس. أما الدكتور هانى هلال ففى أول حديث له مع برنامج «العاشرة مساء» فى قناة بعد توليه الوزارة أدلى بتصريحات غريبة وجمعها إلى الصحفيين المهتمين بأخبار التعليم مثل «سيبونى فى حالى أنا عاوز اشتغل ومش عاوز معوقات» وكأن هؤلاء الصحفيين الذين يملكون خبرة فى قضايا التعليم أكثر بالطبع من خبرة الوزير الذى كان مجرد ملحق ثقافى قبل أن يأتى وزيرا هم الذين يعوقون عملية تطوير التعليم الجامعى إلى الأفضل كذلك قوله أنا ماليش رؤية فى التعليم الجامعى ولا ندرى أيضا إذا كان سيادته ليس لديه رؤية أو تصور لتطوير العمل فى الوزارة فلماذا قبلها؟ إيه جبران خواطر! أما السيد الوزير المهذب أحمد درويش وزير التنمية الإدارية، فالرجل رغم هدوئه المبالغ فيه وصوته الهادئ جدا لدرجة أنك لا تسمعه إلا أنه لا يترك مناسبة إلا ويهاجم أداء الموظفين العاملين فى حكومته بل ينتقد المنظومة الإدارية بكاملها فى الدولة وكأنه ليس مسئولا عن هذا الفشل الإدارى الذى يتحدث عنه ليل نهار. ومن وزير التنمية الإدارية إلى مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية فرغم الاحترام الكبير الذى يحظى به د. مفيد شهاب بوصفه أستاذا جليلا وعالما فاضلا فى القانون إلا أن بعض ردوده على أعضاء مجلس الشعب تثير كثيرا من الانتقادات لإبرازها الحكومة ووزراءها وكأنها فى موقف المتفرج مما يحدث فمثلا عند إثارة قضية تصدير الغاز لإسرائيل وقف الرجل ليقول إن الحكومة مالهاش علاقة بالأمر وأن بعض الشركات الخاصة التى ليس للحكومة أى سلطة عليها هى التى تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل وأن الحكومة لم توقع أى اتفاقيات فى هذا الشأن.. وعندما قال بعض أعضاء المجلس إن كلام الوزير لا يقال فى مقهى.. أضاف د. أحمد فتحى سروررئيس مجلس الشعب «ولا حتى فى غرزة»! ؟ هروب وعجز وتقول د. نجوى كامل أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة ووكيل كلية الإعلام هذه التصريحات تعبر عن عجز لأن المواطن العادى يمكن أن يوصف المشكلة فى ضوء معايشته لها فهذا المواطن يعرف أن هناك أزمة فى الخبز وأن الدقيق المدعم يتم بيعه فى السوق السوداء وأن مستوى الفلاح والزراعة تراجع، ودور المسئول هو طرح حلول لهذه المشكلات وليس التحدث عن وجودها فنحن نعرف ذلك جيدا، وهذا يعتبر أيضا نوعا من الهروب من تحمل المسئولية وإلقاء تبعية المشكلة على وزارات أو جهات أخرى فوزير التضامن عندما يقول لنا سبب أزمة الخبز هو عمليات تهريب للدقيق المدعم يريد أن يلقى بالمسئولية على وزارة الداخلية ممثلة فى مباحث التموين، ووزير الصحة عندما يقول إن الخدمة العلاجية فى المستشفيات الحكومية متدهورة وسيئة يريد أن يحمل المسئولية لوزير المالية لأنه لم يوفر اعتمادات مالية إضافية لإصلاح المستشفيات كما يحيل أصل المشكلة لوزراء صحة سابقين عليه. وتضيف د. نجوى كامل أنها لاحظت فى الفترة الأخيرة كثرة التصريحات الوزارية التى تتحدث عن المشاكل لدرجة أن الوزراء أصبحوا يتكلمون مثل المواطنين العاديين الذين لا يملكون سلطة أو قرار التغير وهذه ليست شجاعة كما قد يظن البعض لأن الوزير هنا لم يقل شيئا خافيا عن الناس، فمشكلات رغيف العيش وسوء أوضاع المستشفيات والعملية التعليمية والسحابة السوداء، وأحوال الموظفين كلها أمور الناس تعيشها ليل نهار وليس خافية عليها، فهو لا يتحدث عن أمور مخفية يريد أن يلفت إليها الأنظار لأول مرة. وتوضح د. نجوى كامل: ومع هذا لا نريد أن نبالغ فى انتقاد هؤلاء الوزراء والمسئولين فكثير من مشاكلنا أصبحت متراكمة لدرجة أنها أصبحت أعمق وأكبر من قدرة أى شخص حتى لو كان وزيرا على حلها فمثلا لو أراد وزير التعليم إعداد خطة متكاملة لإصلاح أحوال التعليم فقد يصطدم باعتراض وزير المالية لعدم وجود موارد كافية لبناء مدارس جديدة وزيادة دخول المدرسين وقد يعترض رئيس الوزراء لأن هذه الخطة خارج الموازنة. لذلك فالمطلوب أن يكون لدينا أولويات لحل مشاكلنا المزمنة لأن هناك موارد وفيه فلوس فى البلد وهناك أنشطة يصرف عليها مبالغ طائلة ويمكن تأجيلها ولن تؤثر على حياة الناس كما أن الوزارات تستعين بالعديد من المستشارين الذين يكلفونها عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا ويمكن توجيه هذه الأموال لإصلاح أو حل إحدى مشكلاتنا المزمنة التى توجع حياة المواطنين. ويقول الأستاذ محمد بسيونى رئيس مؤسسة حقوق الإنسان للتدريب والتنمية المستدامة أن المسئول أو الوزير الذى يتحدث فقط عن وجود المشكلات لا تكون لديه أية خطة أو رؤية لحلها وهو يدارى عجزه أو خوفه من تقديم حلول لها بالحديث عن وجودها وكأنه يطلب النجدة من الآخرين وهو بذلك لا يستحق شرف المسئولية لأن المسئولية هى قرار ومن يعجز عن اتخاذ القرار وتحمل تبعاته يجب أن يتركها لمن يستطيع.. فما الفرق بين المواطن العادى والمسئول أو الوزير إذا كان الأخير يتحدث مثل الأول عن معاناته من المشكلات دون أن تكون لديه خطة لحلها، وماذا يستفيد الشعب من بقائه فى منصبه إذا كان لا يفعل شيئا ويكتفى بالمشاهدة من مقاعد المتفرجين مثل الناس العاديين