في حفل، أقامته جامعة الأزهر ليوم التميز، رفضت طالبة مصافحة الدكتور أحمد الطيب، رئيس الجامعة، ونشرت «الجمهورية» تفاصيل الخبر، في صفحتها الأولي، صباح أمس، تحت عنوان «مصافحة الطيب.. حرام»!
ومنذ أسبوعين، رفضت مذيعة قناة «المنار»، لسان حال حزب الله في بيروت، مصافحة عمرو موسي، لأن مصافحته.. حرام!!
وقد روي لي صديق، أثق في كلامه، أنه يعرف رجلاً له مكانته في المجتمع، وعنده ولد تخرج في الجامعة، ثم اتجه فجأة إلي الانخراط في تدين من نوع غريب، بما تسبب في أزمة لوالده ولأسرته، ولايزال!
الشاب إياه، اختار أن يتدين.. وهذا حقه الذي لا ننازعه فيه.. ثم خطا خطوة أخري، من حقه أيضاً، وهي أن يخطب ويتزوج.. وهذا أيضاً حقه، الذي لا نناقشه فيه.. فهو حر في حياته، مادامت هذه الحرية، لا تؤذي أحداً، ولا تسبب ضرراً لأحد!
المشكلة الحقيقية بدأت، عندما راح الشاب يعتقد في أن مصافحة أي امرأة حرام، حتي ولو كانت في سن جدته، أو في سن أخته الصغيرة.. إنه يرفض أن يمد يده، في أي اتجاه، تكون فيه أنثي، حتي ولو كانت طفلة تمد يدها إليه في براءة!
وحين أراد الشاب أن يحتفل بخطوبته، دعا إلي حفلة علي مركب في النيل.. إلي هنا والمسألة كانت تمشي بشكل طبيعي.. ولكن.. حين ذهب المدعوون إلي الحفل، كانت الصاعقة، وهي أن الولد يرفض مصافحة أي مدعوة إلي حفل خطوبته.. ليس هذا فقط.. بل وترفض خطيبته مصافحة أي مدعو إلي الحفل نفسه، حتي ولو كان المدعو طفلاً يمتلئ بالبراءة!
وكان المنظر مثيراً للدهشة والاستغراب، حين وقف العريس والعروس في جانب، بينما المدعوون، جميعاً، يمرون في جانب آخر، علي المركب في عمق النيل، ثم يومئ الشاب برأسه من بعيد، لأي مدعوة جاءت لتهنئته، وكذلك تفعل العروس، وهي تلملم أطراف فستانها، وتحرص علي ألا تلامس يدها يد أي مدعو، ولو بطريق المصادفة!
وكان الموضوع، في إجماله، موضع تعليق الذين حضروا، ومعهم الذين سمعوا بالحفل الفريد من نوعه.. فالواضح أن الشاب يفترض أن الآخرين ممتلئون بالشر والشهوة، سواء كان الآخرون رجلاً بالنسبة لخطيبته، أو امرأة بالنسبة له هو، ولا يثق المسكين في إنسان يصافح خطيبته، ولا في إنسانة تصافحه!!.. بل إنه لا يثق في نفسه!
ولم يفهم أحد، لماذا دعا الناس إلي حفل خطوبته، مادام عقله ضيقاً إلي هذا الحد، ومادام الأُفق في رأسه منغلقاً، علي هذه الصورة؟!
وإذا كان من حقه أن يتدين علي هذا النحو المنفر، فليس من حقه، إطلاقاً أن يدعو الناس ليدينهم، في حفل عام.. إن رفض المصافحة، في حد ذاته، إهانة للشخص الذي يمد يده، فيواجه رفضاً وقطيعة من الطرف الآخر.. وفضلاً عن الإهانة، فهو إدانة لكل شخص، ذهب إلي الحفل، ثم فوجئ بهذا الطقس الديني الكئيب!
وقد كان أولي بهذا الشاب، وأكرم له، أن يوفر فلوسه، التي أنفقها علي الحفل، وأن يستتر إذا كان الله قد ابتلاه، وأن يقيم بالفلوس «حضرة» في بيته، أو حفلة زار، تناسب تفكيره، وآفاقه، وعقله، وأن يتجنب، هو وغيره، ممََنْ يعتنقون هذا التدين الأعوج، إحراج الناس، في المناسبات العامة!
إن الطعنات التي يتلقاها الإسلام، من داخله، أقوي بكثير مما تأتيه من خارجه!.. فهذا الشاب، ومعه طالبة الأزهر، ومذيعة «المنار»، إنما هم أعباء علي الدين!
الدين، في معني من معانيه، ذوق رفيع، وليس من الذوق جرح عمرو موسي علي الملأ، ولا إحراج رئيس جامعة، في العلن، ولا أن يقف والد الشاب ووالدته يعتذران للمدعوين!!